X
 

 مقدمة:

       إذا قيل بأن هناك قوانين رديئة، قلنا ولكن هناك قضاة عدول، وإذا قيل بأن القانون جامد قلنا لا؛ لأنه ليس في القانون نص لا يحتمل التأويل، وإذا قيل بأن القانون ميت، قلنا ولكنّ القضاء حيٌ، وتلك ميزة كبرى للقضاء على القانون، وإذا قيل بأن العدل - بمعناه العام الشامل الواسع - أساس الملك، قلنا جميعاً وبصوت عالٍ جداً نعم؛ لأنّ العدل مظلة المساواة، ومدخل التنمية، ووتد الاستقرار، وصمام الأمن، ومنطلق التعليم، وحصن الوطنية الحقيقي. ولذا فلا غرابة أن يحظى العدل في المجتمع بأعلى درجة على أي مقياس من مقاييس التفضيل والتقييم؛ وعلى ذلك فإن من الواجب تعبيد طريق الوصول إليه وتسهيله وتحصينه وتمتينه وتأمينه بكل الوسائل الممكنة.

       ويأتي على رأس هذه الأدوات دون أدنى شك مرفق القضاء، فما من دولة أرادت الاستقرار والانطلاق إلى التنمية والتفوق إلا وأنزلت القضاء منزلةً سامية ورفعته مكاناً علياً. ويشهد التاريخ أن العرب والمسلمين لم يصلوا إلى القمة إلا بقيام العدل وترسيخه في النفوس، كما أن أوروبا لم تنهض من كبوتها بعد الحرب إلا بجناحي العدالة (القضاء) والتعليم التربوي السليم (المدارس والجامعات). كما يشهد التاريخ بأن أهم خصوصية للعمانيين هي تشبعهم بالعدل والتسامح ومراعاة حقوق الآخرين سواء قبل الإسلام أو بعده، وقد كشف صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه - عن إيمان السلطنة بأهمية مرفق القضاء فقال في خطابه السامي أمام مجلس عمان بتاريخ 2011/11/12 " بأننا بعون الله ماضون في تطوير المؤسسات القضائية والرقابية بما يحقق تطلعاتنا لترسيخ دور المؤسسات " مضيفاً بأن " دعمنا للقضاء واستقلاليته بلا محاباة أمر مفروغ منه؛ فالكل سواسية أمام القانون".

      وانطلاقاً من هذه الرؤية الواضحة المعالم، مرّ النظام القضائي في عمان بمراحل متعددة، لعل أبرزها في بدايات القرن العشرين إنشاء ما يمكن اعتباره نواةً لمحكمتين: واحدة مدنية، والأخرى تجارية، وذلك في سنة 1920، واستمرت الإنجازات القضائية لاسيما مع بزوغ فجر عهد النهضة المباركة حيث أُسست في سنة 1972 لجنة لفض المنازعات التجارية، تحولت فيما بعد إلى هيئة لحسم هذا النوع من المنازعات سنة 1981، ثم إلى محكمة تجارية كاملة الأوصاف. وبحلول سنة 1996 صدر النظام الأساسي للدولة الذي أفرد للسلطة القضائية باباً مستقلاً، أكمل به حلقات تحصين القضاء، وأتمّ عليه استقلاله (المادة 60)، وسربله بثوب القداسة، وجرّم أي مظهر من مظاهر التدخل في شئونه (المادة 61).

      وصدرت بناءً على هذه الخطوة الدستورية المهمة العديد من التشريعات المؤكدة لهذا النهج بدأت بقانون للسلطة القضائية (رقم 90/99، والمعدل بالمرسوم رقم 14/2001)، وآخر لمحكمة القضاء الإداري (رقم 91/99، والمعدل بالمرسوم السلطاني رقم 3/2009)، وثالث للادعاء العام (رقم 92/99)، ورابع للمجلس الأعلى للقضاء (رقم 93/99، والمعدل بالمرسوم رقم 9/2012)؛ فحق للسلطنة أن توصف بأنها دولة مؤسسات حقيقية رائدة.

       وسيراً على الدرب، وأداءً للرسالة، وحباً في الوطن، ويقيناً بكل القيم السابقة، وإيماناً بأن الاستثمار في هذا المجال هو من أكثر أنواع الاستثمارات قيمةً ومنفعةً، يأتي موضوع مؤتمر كلية الحقوق جامعة السلطان قابوس الدولي الخامس تحت عنوان " تطوير نظم التقاضي وتحديث قواعد الإثبات" ليضع مرفق القضاء وآليات إثبات الحقوق ومقتضيات العدالة تحت مجهر الدراسة والبحث دائماً.